كل الكتاب/الفصل العاشر: البحث
من Gospel Translations Arabic
JoyaTeemer (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'{{info|Advice For Seekers/Seeking}}') |
JoyaTeemer (نقاش | مساهمات) |
||
(1 مراجعة متوسطة غير معروضة.) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
{{info|Advice For Seekers/Seeking}} | {{info|Advice For Seekers/Seeking}} | ||
+ | |||
+ | إن نيتي الحقيقية، التي من أجلها هيّأت روحي بكاملهاً، هي أن أتعامل مع هؤلاء الحزانى الباحثين عن المسيح، والّذين بحثوا عنه دون جدوى. إنّ هؤلاء الحزانى، المقتنعون بخطيتهم، الصّاحون والمتنبهون، ينتظرون لوقت طويل خارج أبواب الرّحمة، يرتجفون من البرد، ويتلهّفون إلى الدّخول، لكنّهم يرفضون أن يدخلوا من البّاب المفتوح على مصراعيه أمامهم. هم يرتجفون، خائفين من الدّخول عبر باب الرّحمة المفتوح، بالرغم من أن الحبّ اللامتناهي نفسه يصرخ لهم، "تعال، وأهلاً بك؛ ادخل وكن مباركاً". إنّه فعلاً لأمر عجيب ومفاجئ أن نجد في هذا العالم، أناساً يملكون أغنى تعزية في متناول أيديهم، لكنّهم يرفضون بإصرار أخذها. يبدو هذا حقّاً أمر غير طبيعي، إذ لا توجد أيّ روح بائسة ترفض أن تحصل على الرّاحة. هل يرفض الثور علفه؟ هل يأكل الأسد لحمه، أو يحتقر النسر عشّه؟ إنّ رفض التعزية أمر غريب لأن الراحة الأكثر جدارة بالإعجاب هي في المتناول. يمكن أن تغفر الذّنوب؛ بل وقد غفرت؛ إذ أتمّ المسيح الكفّارة. إنّ الله يرغب بل هو مصمّم أن يقبل بلطف أيّ خاطئ يأتي إليه ويعترف بخطاياه، ويثق بدمّ المسيح يسوع. وهو ينتظر أن يكون شفوقاً، لا قساوة فيه ولا صرامةً؛ بل هو مليء بالرّحمة؛ ويسرّ بمسامحة النّادم التّائب، وإعلان مجده بقبول من لا يستحقّ. هناك الكثير من الرّاحة في كلمة الله فإنّها تعلن عن نعمة غير محدودوة كما أنّ الفضاء غير محدود. قد تبحث عن فهم حلاوة الحبّ الإلهي، لكنّك لا تستطيع، إذ أنّه يفوق المعرفة. إنّ جود الله العظيم ظهر جلّياً في يسوع المسيح فهو مثل الفسحة الواسعة للمحيط. وهو لأمر عجيب أن يرفض الإنسان هذا الحب المعطى بسخاء. | ||
+ | |||
+ | يقال، أنّه قبل بضع سنوات، كانت هنالك سفينة تبحر على الساحل الشمالي للقارة الأمريكية الجنوبية وقد لوحظ أنّها كانت تطلق إشارات استغاثة. وعندما التقوا سفينة عابرة أخرى، أبلغوا عن أنفسهم أنهم "يموتون عطشاً!" فأجابوهم "اغطسوا في المياه، أنتم في مياه نهر الأمازون." لقد كانت المياه العذبة تحيط بهم، ولم يكن عليهم فعل أيّ شيء سوى أن يخرجوا منها حاجتهم من الماء، ومع ذلك فهم كانوا يلتهبون من العطش، إذ ظنّوا أنفسهم في مياه البحر المالحة. وكم من المرّات يجهل المرء الرّحمة المتوفّرة! وكم من أحزانٍ نواجهها بسبب نقص المعرفة! | ||
+ | |||
+ | لكن افترض، أنّه بعد أن استلم البحّارة المعلومات السّارة، استمرّ في رفض سحب المياه الوفيرة التي تملأ المكان من حولهم، ألن تكون هذه الأمور بمثابة أعجوبة؟ ألن تظنّ حالاً أنّ الجنون أصاب القبطان ومعاونيه؟ إنّ هذا هو النّوع من الجنون يصيب الكثيرين ممّن يسمعون الإنجيل. إذ هم يعرفون أنّ هنالك رحمة ممنوحة للخطاة؛ وانّه إن لم يتدخّل الرّوح القدس فهم سيهلكون، ليس بسبب جهلهم، بل لأنّهم، لسبب أو لآخر، كاليهود القدماء، يحكمون على أنفسهم من الإنجيل، ويرفضون الرّاحة. إنّه لأمر لافت إذ أنّ الرّاحة المهيّأة آمنة جداً. وإذا كان هناك أيّة شكوك بأنّ راحة الإنجيل وهمية، وافتراضيّة تحطّم الرّوح، لانسحب النّاس كما يبتعدون عن كأس السّم. لكنّ كثيرين أرووا أنفسهم من ماء الحياة؛ ولم يتأذّ أحد، بل كل من شرب من الماء حصل على بركة أبديّة. | ||
+ | |||
+ | لماذا إذاً تتردّد الرّوح العطشانة، بينما النّهر واضحٌ كالبلّور يندفق عند قدميها؟ علاوة على ذلك، فإنّ عزاء الإنجيل مناسب جداً؛ ويتلاءم جداً مع الخطاة، والضّعفاء، والمنكسري القلوب، وإلى أولئك المنسحقين المحتاجين إلى الرّحمة، وإلى من هم أقلّ إدراكاً لحاجتهم منها على حدّ سواء. يحمل الإنجيل بلسماً يناسب الآثم في أسوأ حالاته، عندما لا يكون لديه أيّ شيء حسن فيه، ولا شيء داخله يدعو للأمل. ألم يعلن الإنجيل أنّ يسوع المسيح مات من أجل الأشرار؟ أليس هو قول مخلص ومستحقّ كلّ قبول، الاعتراف بأنّ يسوع المسيح جاء إلى هذا العالم ليخلّص الخطاة "الذّين أوّلهم أنا" كما يقول الرّسول؟ أليس الإنجيل معدّ حتى لأولئك الذين هم أموات في الذنوب والخطايا؟ ألا نقرأ هذه الآية، "الله، الذي هو غنيّ في الرحمة، من أجل محبّته الكثيرة التي أحبّنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح – بالنّعمة أنتم مخلّصون"؟ أليست دعوات الإنجيل، هي بحسب حكمنا، الألطف، والرق، والأرحم، والأكثر جاذبيّة التي يمكن أن تكتب وأن تتوجّه إلى أسوا حالة يمكن أن يكون فيها الخاطئ؟ أيّها العطاش جميعاً هلمّوا إلى المياه والّذي ليس له فضّة تعالوا اشتروا وكلوا هلمّوا اشتروا بلا فضّة وبلا ثمن خمراً ولبناً." (إشعياء 1:55). "ليترك الشّرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرّب فيرحمه وإلى الهنا لأنّه يكثر الغفران." (إشعياء 7:55). ليس هنالك صفات خاصّة تستعمل لوضع درجة من الطّيبة عند الشّخص المدعو، فالشرّير مدعوّ للحضور، والأثمة للإتّجاه إلى الله. إنّ هذه الدّعوة تتعامل مع الأدنياء العراة الخطاة. فالنّعمة تبحث عن البؤساء، وعديمي الجدارة، والمذنبين، ولا شيء ما عدا ذلك. ليس بسبب صلاحنا، بل لأنّ الله رحيم، نحن علينا أن نثق برحمته اللامتناهية في المسيح يسوع ربّنا، وهكذا نحصل على السّلام. إنّه لغريب أنّه حيث التّعزية وافرة، والرّاحة متوافرة والأمان؛ وحيث القلب فرح، هنالك الآلاف من النّاس يرفضون أن يعيشوا بسلام. | ||
+ | تصبح هذه الحقيقة لافتة أكثر لأنّ هؤلاء الأشخاص يحتاجون كثيراً إلى الرّاحة، وممّا يقولون وأؤمن أيضاً أنّه ممّا يشعرون، قد تستنتج أنّ الرّاحة هي الشيء الأهم الذي يتشبّثون به، كرجلٍ غارقٍ يتمسّك بحبل النّجاة. لماذا لا ينامون اللّيل بطوله بسبب مخاوفهم. في النّهار، يعلو الحزن وجوههم، مثل البحر الصّاخب، يهيج داخلهم. وبالكاد يمكنهم أن ينطقوا بكلام سعيد. يملأون بيوتهم بالبؤس، وعدوى حزنهم تنتقل إلى آخرين. وقد تعتقد أنّه في اللّحظة الّتي هُمِسَت كلمة "أمل" في آذانهم، قفزوا نحوها حالاً؛ لكنّ هذا لا يحدث. قد تضع الإنجيل في الشّكل الذي يرضيك، ورغم ذلك فهذه الأرواح البائسة التي تحتاج إلى شفقتك، وأخاف أنّها تحت سؤوليّتك، ترفض أن تجد الرّاحة. مع أنّ الطّعام موضوع أمامهم، تمقت روحهم كلّ أنواع اللّحم، وهم يقتربون إلى أبواب الموت؛ في الحقيقة، أنت قد تضع العصير السماوي في أفواههم، لكنّهم لن يأخذوا الغذاء الرّوحي؛ ويبقون في جوع بدلاً من يأخذوا ما يزوّدهم به الحبّ الالهي. | ||
+ | |||
+ | عندما كانت الحمامة مرهقة، تذكّرت السفينة وطارت إلى يدّ نوح حالاً؛ كذلك هؤلاء النّاس هم مرهقون ويعرفون السفينة، لكنّهم لن يطيروا إليها. عندما يقتل إسرائيليّ عن غير قصد، كان قاتله يذهب إلى مدينة الملجأ خائفاً من الانتقام، هارباً إلى طريق الأمان. يعرف هؤلاء الخاطئون الملجأ، وكلّ سبت تحدّد معالم الطّريق، ولكن برغم هذا هم لا يريدون أن يجدوا الخلاص. الشاردون المعدمون في شوارع لندن يبتدعون مأواهم اللّيلي ويبحثون عن الملجأ؛ يتجمّعون عند مداخل منازلنا مثل العصافير تحت سقف البناية في يوم ممطر. هم يشتهون السّكن وكسرة الخبز. رغم ذلك فإنّ حشود النّفوس الجاهلة، عندما يضيء بيت الرّحمة وتكتب الدّعوة بوضوح في رسائل واضحة، 'من يريد فليأت إلى هنا"، ترفض أن تأتي. | ||
+ | |||
+ | بالنّسبة إلى العديد من الخطاة، إنّ رفضهم الحصول على الرّاحة ناتج عن مرض جسدي وعقلي. فمن غير المجدي مجادلة من هم بحاجة إلى علاج طبّي أو حمية كبيرة بالحجج الدينيّة. هناك صلة قريبة بين عمليّ الطّبيب ورجل الدّين الذين يعملان على طرد الأوهام الإنسانية السقيمة؛ وأنا مقتنع بأنّ هناك العديد من الحالات التّي يكون فيها حضور القسّ من دون أهميّة حتّى ينهي الطّبيب أوّلاً عمله تماماً. | ||
+ | |||
+ | عند العديد من النّاس، يتكوّن الرّفض الفظيع جرّاء كراهيّة متعالية لخطّة الخلاص. هم سيحصلون على الرّاحة لكن أليس عليهم فعل شيء للحصول على الحياة الأبديّة؟ أليس عليهم أن يظهروا بعض المشاعر والعواطف؟ أليس عليهم أن يهيّئوا أنفسهم للسيد المسيح؟ هل الخلاص مقدّم مجاني بالتّمام؟ هل هم سيُقبلون في بيت الرّحمة كفقراء؟ أليس عليهم أن يأتوا ببكاء صارخين " ارحمني يا الله، أنا الخاطئ"؟ هل عليه أن يصل إلى هنا – أن يقف عرياناً أمام الله، مظهراً ما لديه من صلاح في الفكر والعمل؟ هل على الرأس أن يكون مريضاً، والقلب ضعيفاً، وأن يكذب الإنسان أمام يسوع المسيح ناكراً ما فعله واقترفه حتّى يحصل على كل ما يريد من يديّ المخلّص المصلوب؟ ثمّ يقول أنا لن أحصل عليه. إنّ راية النّفس يحملها حامل راية عملاق؛ وتبقى ترفرف حتّى بعد فترة طويلة من انتهاء المعركة. لكن ما هذا الغباء! لأجل الأبقاء على منزلة غبيّة خاصّة نحن لن نحصل على الرّاحة. تخلّ عن نفسك وعن منزلتك! أنا أرجوك، انحن عند قدميّ يسوع المسيح وقبّلهما إذ قد سمّرتا من أجل خطاياك. | ||
+ | لدى الآخرين إنّه ليس فخراً، بل إرادة غير مقدّسة للإحتفاظ ببعض الخطايا المفضّلة. في أكثر الحالات، حين يحاول قسّ شفاء جرحٍ نازف منذ وقت طويل، يُجري تحقيقاً دقيقاً متسائلاً لماذا لن يشفى الجرح. فبالنسبة له، تبدو كلّ الظّروف مؤاتية للشّفاء. وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا لا يزال النّزيف قائماً، لكنّه أخيراً وجد السّبب؛ "آه، إنّه هنا، هناك مادّة غريبة تهيّج الجرح بشكل مستمر؛ هو لا يستطيع أن يشفى بينما هذه الخطيّة تقبع داخله." اكتشفنا في بعض الحالات بأنّ الحزين ما زال منغمساً بالسّر في رذيلة ما، أو مبقياً على زمرة السّوء، أو غير طائع لوالديه، أو عديم الرحمة، أو كسول، أو لا يزال على ذلك الذّنب القبيح، أو السّكر بالسّر. في مثل هذه الحالة، إذا قرّر هذا الرّجل عدم التخلّي عن الخطيّة، فهل ستتسائل لماذا لا يملك الرّاحة؟ ألن يكون شيئاً مروّعاً لو كان كذلك؟ عندما يحمل رجل مادة صدئة داخل روحه، حتّى لو بدا أنّ جرحه التأم، فالمرض الدّاخلي سيقضي عليه. اعترف أمام يسوع المسيح، وهو سيغفر لك غباوتك وسيقبلك، حتّى لا ترفض أبداً أن تحصل على سلامه. | ||
+ | يرفض البعض الحصول على الرّاحة بسبب تصميمهم العنيد على إيجاد الرّاحة بطريقتهم الخاصّة. لقد قرأوا سيرة أحد الأشخاص الصّالحين الذي حصل على خلاصه من وراء تجربته الخاصّة. فيقولون "الآن، إن أحسست كما أحسّ ذلك الرّجل، أكون قد حصلت على الخلاص ". كثيرون عثروا على فرصة من النّعمة المتفاضلة، لكنّهم قالوا، "عليّ أن آتي كما أتى جون بنيون،وإلا فلن أؤمن." يقول آخر، 'يجب أن أمشي على الطّريق الّتي سار عليها جون نيوتن، وعلى أقدامي أن توضع في الآثار ذاتها حيث أقدامه مشت، وإلاّ فأنا لا أستطيع أن أؤمن بالسيّد المسيح.' لكن أيّ أسباب تملكها للتوقّع بأنّ الله سيمنحك، وأيّ تبرير لديك لتصف إلى الطّبيب الأعظم طرق علاجه؟ آه، إن أحضرني معه إلى السّماء، فسأباركه، حتّى ولو قادني عبر أبواب الجّحيم. إذا كنت قد أحضِرتُ لرؤية الملك في بهئه، في أرض بعيدة جداً، فلن ينزعج قلبي من الطّريقة والتّجربة الّتي ستأخذني إلى هناك. تعال، واترك جانباً خياراتك الغبيّة، وقل، "ارحمني يا الله، علّمني أن أثق بابنك العزيز، وأن أتخلّص من نزواتي وميولي". | ||
+ | |||
+ | أنا أخشى أنّه لدى الكثيرين سبب آخر يدعوهم إلى رفض الحصول على الرّاحة، ألا وهو الشّك في محبّة الآب ولطفه وصدقه. هم لا يؤمنون أنّ الله شفوق؛ بل يعتقدون أن اللّه مستبدّ، وإن لم يكن ذلك تماماً، فهو قاسٍ وصارم بحيث أنّ الخاطئ يحتاج أن يناشده ويرجوه لوقت طويل حتّى يستطيع أن يصل إلى قلبه. أه، ألا تعرفون إلهي! ما هو؟ إنّه إله المحبّة. إنّي أخبرك أنّه لا يريد أن تحثّه على منح الرّحمة، كما لا تحتاج الشّمس إلى من يقنعها بأن تشرق، ولا الينبوع بأن يصبّ خارج جداوله. إنّها من طبيعة الله أن يكون شفوقاً؛ إنّ صفاته الإلهيّة تظهر واضحة حين يمنح الرّحمة. "فالعقاب والدّينونة هما من أغرب أفعاله"؛ يمسكهما في يده اليسرى؛ أمّا الرّحمة، ففي يده اليمنى. إنّه يُسَرّ بالرحمة. أليس مكتوباً أنّ الله يسرّ بالرّحمة؟ يا للأسف! إنّ الله يُفتَرى عليه من أولئك الذين يتكلّم إليهم بمودّة! "قل لهم. حيّ أنا يقول السيّد الرّب إنّي لا أسر بموت الشّرير بل بأن يرجع الشّرير عن طريقه ويحيا. ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرّديئة. فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل." (حزقيال 11:33) حتّى أنّه يبدو وكأنّه يتوسّل إلى مخلوقاته، ويناشدهم أن يأتوا إليه. هو يتوق إلى أن يخلّصهم صارخاً، "كيف أجعلك يا أفرايم. أصيّرك يا إسرائيل . كيف أجعلك كأدمة. أصنعك كصبوييم. قد انقلب عليّ قلبي. اضطرمت مراحمي جميعاً. لا أجري حموّ غضبي لا أعود أخرب أفرايم لأنّي الله لا إنسان القدّوس في وسطك فلا آتي بسخطٍ". (هوشع 8:11-9). آه لا، أنا أناشدك، لا تكن غير مؤمن فيما بعد، بل آمن بكلمة الله وقسمه، وأقبل الراحة التي تقدّمها لك مجّاناً كلمات الإنجيل! | ||
+ | |||
+ | لقد رفض البعض على أية حال الرّاحة طويلاً، حتّى اعتادوا على العيش باليأس. آه، إنّها عادة خطرة، إذ هم يرتعدون على حافّة الجحيم. في كلّ لحظة ينغمس فيها شخص ما، يتعوّد عليها. فتصبح مثل برودة المناطق الجليديّة، التّي تخدر المسافر بعد فترة، حتّى يفقد إحساسه ويسقط في سبات عميق يقوده إلى الموت. من النّاس من يعتاد على اليأس حتّى لو لم يكن هنالك سبب يدعو إلى اليأس. ويجلبهم اليأس إلى الجحيم. لقد حجّر اليأس قلوب بعض الأشخاص حتّى أصبحوا قادرين على ارتكاب الخطايا دون أمل بأن يرجعوا عنها. احذر من أن تحتضن الكآبة التي يقودك إليها عدم إيمانك. آه، أبعده بعيداً إذا أمكن! اصرخ إلى الرّوح القدس، المعزّي، ليطلقك من فخ الصّياد؛ اعتمد عليه، وثق ، فإنّ الشّك شرك للشّيطان. مبارك من يهرب من شباكه. إنّ الإيمان بالله يقوّي الرّوح ويجلب لنا القداسة والسّعادة، لكنّ القلق، والشكّ، والظّنون والمخاوف جميعها تقسّي القلب وتجعلنا أقلّ اهتماماً بالمجيء إلى الله. احذر من اليأس، وليتك إذا سقطت أسيراً لعادة سيّئة، أن تُنتَزع منها كالجمر من النّار المحرقة، تحرّر فإنّ إلهك يطلق الأسرى. |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٨:٥٩، ٨ أكتوبر ٢٠٠٩
بواسطة Charles H. Spurgeon
حول الخلاص
فصل # ن من كتاب # ب
ترجمة من قبل Walid Bitar
يمكنك مساعدتنا من خلال مراجعة هذه الترجمة للتأكد من دقتها. تعرف على المزيد (English).
إن نيتي الحقيقية، التي من أجلها هيّأت روحي بكاملهاً، هي أن أتعامل مع هؤلاء الحزانى الباحثين عن المسيح، والّذين بحثوا عنه دون جدوى. إنّ هؤلاء الحزانى، المقتنعون بخطيتهم، الصّاحون والمتنبهون، ينتظرون لوقت طويل خارج أبواب الرّحمة، يرتجفون من البرد، ويتلهّفون إلى الدّخول، لكنّهم يرفضون أن يدخلوا من البّاب المفتوح على مصراعيه أمامهم. هم يرتجفون، خائفين من الدّخول عبر باب الرّحمة المفتوح، بالرغم من أن الحبّ اللامتناهي نفسه يصرخ لهم، "تعال، وأهلاً بك؛ ادخل وكن مباركاً". إنّه فعلاً لأمر عجيب ومفاجئ أن نجد في هذا العالم، أناساً يملكون أغنى تعزية في متناول أيديهم، لكنّهم يرفضون بإصرار أخذها. يبدو هذا حقّاً أمر غير طبيعي، إذ لا توجد أيّ روح بائسة ترفض أن تحصل على الرّاحة. هل يرفض الثور علفه؟ هل يأكل الأسد لحمه، أو يحتقر النسر عشّه؟ إنّ رفض التعزية أمر غريب لأن الراحة الأكثر جدارة بالإعجاب هي في المتناول. يمكن أن تغفر الذّنوب؛ بل وقد غفرت؛ إذ أتمّ المسيح الكفّارة. إنّ الله يرغب بل هو مصمّم أن يقبل بلطف أيّ خاطئ يأتي إليه ويعترف بخطاياه، ويثق بدمّ المسيح يسوع. وهو ينتظر أن يكون شفوقاً، لا قساوة فيه ولا صرامةً؛ بل هو مليء بالرّحمة؛ ويسرّ بمسامحة النّادم التّائب، وإعلان مجده بقبول من لا يستحقّ. هناك الكثير من الرّاحة في كلمة الله فإنّها تعلن عن نعمة غير محدودوة كما أنّ الفضاء غير محدود. قد تبحث عن فهم حلاوة الحبّ الإلهي، لكنّك لا تستطيع، إذ أنّه يفوق المعرفة. إنّ جود الله العظيم ظهر جلّياً في يسوع المسيح فهو مثل الفسحة الواسعة للمحيط. وهو لأمر عجيب أن يرفض الإنسان هذا الحب المعطى بسخاء.
يقال، أنّه قبل بضع سنوات، كانت هنالك سفينة تبحر على الساحل الشمالي للقارة الأمريكية الجنوبية وقد لوحظ أنّها كانت تطلق إشارات استغاثة. وعندما التقوا سفينة عابرة أخرى، أبلغوا عن أنفسهم أنهم "يموتون عطشاً!" فأجابوهم "اغطسوا في المياه، أنتم في مياه نهر الأمازون." لقد كانت المياه العذبة تحيط بهم، ولم يكن عليهم فعل أيّ شيء سوى أن يخرجوا منها حاجتهم من الماء، ومع ذلك فهم كانوا يلتهبون من العطش، إذ ظنّوا أنفسهم في مياه البحر المالحة. وكم من المرّات يجهل المرء الرّحمة المتوفّرة! وكم من أحزانٍ نواجهها بسبب نقص المعرفة!
لكن افترض، أنّه بعد أن استلم البحّارة المعلومات السّارة، استمرّ في رفض سحب المياه الوفيرة التي تملأ المكان من حولهم، ألن تكون هذه الأمور بمثابة أعجوبة؟ ألن تظنّ حالاً أنّ الجنون أصاب القبطان ومعاونيه؟ إنّ هذا هو النّوع من الجنون يصيب الكثيرين ممّن يسمعون الإنجيل. إذ هم يعرفون أنّ هنالك رحمة ممنوحة للخطاة؛ وانّه إن لم يتدخّل الرّوح القدس فهم سيهلكون، ليس بسبب جهلهم، بل لأنّهم، لسبب أو لآخر، كاليهود القدماء، يحكمون على أنفسهم من الإنجيل، ويرفضون الرّاحة. إنّه لأمر لافت إذ أنّ الرّاحة المهيّأة آمنة جداً. وإذا كان هناك أيّة شكوك بأنّ راحة الإنجيل وهمية، وافتراضيّة تحطّم الرّوح، لانسحب النّاس كما يبتعدون عن كأس السّم. لكنّ كثيرين أرووا أنفسهم من ماء الحياة؛ ولم يتأذّ أحد، بل كل من شرب من الماء حصل على بركة أبديّة.
لماذا إذاً تتردّد الرّوح العطشانة، بينما النّهر واضحٌ كالبلّور يندفق عند قدميها؟ علاوة على ذلك، فإنّ عزاء الإنجيل مناسب جداً؛ ويتلاءم جداً مع الخطاة، والضّعفاء، والمنكسري القلوب، وإلى أولئك المنسحقين المحتاجين إلى الرّحمة، وإلى من هم أقلّ إدراكاً لحاجتهم منها على حدّ سواء. يحمل الإنجيل بلسماً يناسب الآثم في أسوأ حالاته، عندما لا يكون لديه أيّ شيء حسن فيه، ولا شيء داخله يدعو للأمل. ألم يعلن الإنجيل أنّ يسوع المسيح مات من أجل الأشرار؟ أليس هو قول مخلص ومستحقّ كلّ قبول، الاعتراف بأنّ يسوع المسيح جاء إلى هذا العالم ليخلّص الخطاة "الذّين أوّلهم أنا" كما يقول الرّسول؟ أليس الإنجيل معدّ حتى لأولئك الذين هم أموات في الذنوب والخطايا؟ ألا نقرأ هذه الآية، "الله، الذي هو غنيّ في الرحمة، من أجل محبّته الكثيرة التي أحبّنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح – بالنّعمة أنتم مخلّصون"؟ أليست دعوات الإنجيل، هي بحسب حكمنا، الألطف، والرق، والأرحم، والأكثر جاذبيّة التي يمكن أن تكتب وأن تتوجّه إلى أسوا حالة يمكن أن يكون فيها الخاطئ؟ أيّها العطاش جميعاً هلمّوا إلى المياه والّذي ليس له فضّة تعالوا اشتروا وكلوا هلمّوا اشتروا بلا فضّة وبلا ثمن خمراً ولبناً." (إشعياء 1:55). "ليترك الشّرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرّب فيرحمه وإلى الهنا لأنّه يكثر الغفران." (إشعياء 7:55). ليس هنالك صفات خاصّة تستعمل لوضع درجة من الطّيبة عند الشّخص المدعو، فالشرّير مدعوّ للحضور، والأثمة للإتّجاه إلى الله. إنّ هذه الدّعوة تتعامل مع الأدنياء العراة الخطاة. فالنّعمة تبحث عن البؤساء، وعديمي الجدارة، والمذنبين، ولا شيء ما عدا ذلك. ليس بسبب صلاحنا، بل لأنّ الله رحيم، نحن علينا أن نثق برحمته اللامتناهية في المسيح يسوع ربّنا، وهكذا نحصل على السّلام. إنّه لغريب أنّه حيث التّعزية وافرة، والرّاحة متوافرة والأمان؛ وحيث القلب فرح، هنالك الآلاف من النّاس يرفضون أن يعيشوا بسلام. تصبح هذه الحقيقة لافتة أكثر لأنّ هؤلاء الأشخاص يحتاجون كثيراً إلى الرّاحة، وممّا يقولون وأؤمن أيضاً أنّه ممّا يشعرون، قد تستنتج أنّ الرّاحة هي الشيء الأهم الذي يتشبّثون به، كرجلٍ غارقٍ يتمسّك بحبل النّجاة. لماذا لا ينامون اللّيل بطوله بسبب مخاوفهم. في النّهار، يعلو الحزن وجوههم، مثل البحر الصّاخب، يهيج داخلهم. وبالكاد يمكنهم أن ينطقوا بكلام سعيد. يملأون بيوتهم بالبؤس، وعدوى حزنهم تنتقل إلى آخرين. وقد تعتقد أنّه في اللّحظة الّتي هُمِسَت كلمة "أمل" في آذانهم، قفزوا نحوها حالاً؛ لكنّ هذا لا يحدث. قد تضع الإنجيل في الشّكل الذي يرضيك، ورغم ذلك فهذه الأرواح البائسة التي تحتاج إلى شفقتك، وأخاف أنّها تحت سؤوليّتك، ترفض أن تجد الرّاحة. مع أنّ الطّعام موضوع أمامهم، تمقت روحهم كلّ أنواع اللّحم، وهم يقتربون إلى أبواب الموت؛ في الحقيقة، أنت قد تضع العصير السماوي في أفواههم، لكنّهم لن يأخذوا الغذاء الرّوحي؛ ويبقون في جوع بدلاً من يأخذوا ما يزوّدهم به الحبّ الالهي.
عندما كانت الحمامة مرهقة، تذكّرت السفينة وطارت إلى يدّ نوح حالاً؛ كذلك هؤلاء النّاس هم مرهقون ويعرفون السفينة، لكنّهم لن يطيروا إليها. عندما يقتل إسرائيليّ عن غير قصد، كان قاتله يذهب إلى مدينة الملجأ خائفاً من الانتقام، هارباً إلى طريق الأمان. يعرف هؤلاء الخاطئون الملجأ، وكلّ سبت تحدّد معالم الطّريق، ولكن برغم هذا هم لا يريدون أن يجدوا الخلاص. الشاردون المعدمون في شوارع لندن يبتدعون مأواهم اللّيلي ويبحثون عن الملجأ؛ يتجمّعون عند مداخل منازلنا مثل العصافير تحت سقف البناية في يوم ممطر. هم يشتهون السّكن وكسرة الخبز. رغم ذلك فإنّ حشود النّفوس الجاهلة، عندما يضيء بيت الرّحمة وتكتب الدّعوة بوضوح في رسائل واضحة، 'من يريد فليأت إلى هنا"، ترفض أن تأتي.
بالنّسبة إلى العديد من الخطاة، إنّ رفضهم الحصول على الرّاحة ناتج عن مرض جسدي وعقلي. فمن غير المجدي مجادلة من هم بحاجة إلى علاج طبّي أو حمية كبيرة بالحجج الدينيّة. هناك صلة قريبة بين عمليّ الطّبيب ورجل الدّين الذين يعملان على طرد الأوهام الإنسانية السقيمة؛ وأنا مقتنع بأنّ هناك العديد من الحالات التّي يكون فيها حضور القسّ من دون أهميّة حتّى ينهي الطّبيب أوّلاً عمله تماماً.
عند العديد من النّاس، يتكوّن الرّفض الفظيع جرّاء كراهيّة متعالية لخطّة الخلاص. هم سيحصلون على الرّاحة لكن أليس عليهم فعل شيء للحصول على الحياة الأبديّة؟ أليس عليهم أن يظهروا بعض المشاعر والعواطف؟ أليس عليهم أن يهيّئوا أنفسهم للسيد المسيح؟ هل الخلاص مقدّم مجاني بالتّمام؟ هل هم سيُقبلون في بيت الرّحمة كفقراء؟ أليس عليهم أن يأتوا ببكاء صارخين " ارحمني يا الله، أنا الخاطئ"؟ هل عليه أن يصل إلى هنا – أن يقف عرياناً أمام الله، مظهراً ما لديه من صلاح في الفكر والعمل؟ هل على الرأس أن يكون مريضاً، والقلب ضعيفاً، وأن يكذب الإنسان أمام يسوع المسيح ناكراً ما فعله واقترفه حتّى يحصل على كل ما يريد من يديّ المخلّص المصلوب؟ ثمّ يقول أنا لن أحصل عليه. إنّ راية النّفس يحملها حامل راية عملاق؛ وتبقى ترفرف حتّى بعد فترة طويلة من انتهاء المعركة. لكن ما هذا الغباء! لأجل الأبقاء على منزلة غبيّة خاصّة نحن لن نحصل على الرّاحة. تخلّ عن نفسك وعن منزلتك! أنا أرجوك، انحن عند قدميّ يسوع المسيح وقبّلهما إذ قد سمّرتا من أجل خطاياك. لدى الآخرين إنّه ليس فخراً، بل إرادة غير مقدّسة للإحتفاظ ببعض الخطايا المفضّلة. في أكثر الحالات، حين يحاول قسّ شفاء جرحٍ نازف منذ وقت طويل، يُجري تحقيقاً دقيقاً متسائلاً لماذا لن يشفى الجرح. فبالنسبة له، تبدو كلّ الظّروف مؤاتية للشّفاء. وهو لا يستطيع أن يفهم لماذا لا يزال النّزيف قائماً، لكنّه أخيراً وجد السّبب؛ "آه، إنّه هنا، هناك مادّة غريبة تهيّج الجرح بشكل مستمر؛ هو لا يستطيع أن يشفى بينما هذه الخطيّة تقبع داخله." اكتشفنا في بعض الحالات بأنّ الحزين ما زال منغمساً بالسّر في رذيلة ما، أو مبقياً على زمرة السّوء، أو غير طائع لوالديه، أو عديم الرحمة، أو كسول، أو لا يزال على ذلك الذّنب القبيح، أو السّكر بالسّر. في مثل هذه الحالة، إذا قرّر هذا الرّجل عدم التخلّي عن الخطيّة، فهل ستتسائل لماذا لا يملك الرّاحة؟ ألن يكون شيئاً مروّعاً لو كان كذلك؟ عندما يحمل رجل مادة صدئة داخل روحه، حتّى لو بدا أنّ جرحه التأم، فالمرض الدّاخلي سيقضي عليه. اعترف أمام يسوع المسيح، وهو سيغفر لك غباوتك وسيقبلك، حتّى لا ترفض أبداً أن تحصل على سلامه. يرفض البعض الحصول على الرّاحة بسبب تصميمهم العنيد على إيجاد الرّاحة بطريقتهم الخاصّة. لقد قرأوا سيرة أحد الأشخاص الصّالحين الذي حصل على خلاصه من وراء تجربته الخاصّة. فيقولون "الآن، إن أحسست كما أحسّ ذلك الرّجل، أكون قد حصلت على الخلاص ". كثيرون عثروا على فرصة من النّعمة المتفاضلة، لكنّهم قالوا، "عليّ أن آتي كما أتى جون بنيون،وإلا فلن أؤمن." يقول آخر، 'يجب أن أمشي على الطّريق الّتي سار عليها جون نيوتن، وعلى أقدامي أن توضع في الآثار ذاتها حيث أقدامه مشت، وإلاّ فأنا لا أستطيع أن أؤمن بالسيّد المسيح.' لكن أيّ أسباب تملكها للتوقّع بأنّ الله سيمنحك، وأيّ تبرير لديك لتصف إلى الطّبيب الأعظم طرق علاجه؟ آه، إن أحضرني معه إلى السّماء، فسأباركه، حتّى ولو قادني عبر أبواب الجّحيم. إذا كنت قد أحضِرتُ لرؤية الملك في بهئه، في أرض بعيدة جداً، فلن ينزعج قلبي من الطّريقة والتّجربة الّتي ستأخذني إلى هناك. تعال، واترك جانباً خياراتك الغبيّة، وقل، "ارحمني يا الله، علّمني أن أثق بابنك العزيز، وأن أتخلّص من نزواتي وميولي".
أنا أخشى أنّه لدى الكثيرين سبب آخر يدعوهم إلى رفض الحصول على الرّاحة، ألا وهو الشّك في محبّة الآب ولطفه وصدقه. هم لا يؤمنون أنّ الله شفوق؛ بل يعتقدون أن اللّه مستبدّ، وإن لم يكن ذلك تماماً، فهو قاسٍ وصارم بحيث أنّ الخاطئ يحتاج أن يناشده ويرجوه لوقت طويل حتّى يستطيع أن يصل إلى قلبه. أه، ألا تعرفون إلهي! ما هو؟ إنّه إله المحبّة. إنّي أخبرك أنّه لا يريد أن تحثّه على منح الرّحمة، كما لا تحتاج الشّمس إلى من يقنعها بأن تشرق، ولا الينبوع بأن يصبّ خارج جداوله. إنّها من طبيعة الله أن يكون شفوقاً؛ إنّ صفاته الإلهيّة تظهر واضحة حين يمنح الرّحمة. "فالعقاب والدّينونة هما من أغرب أفعاله"؛ يمسكهما في يده اليسرى؛ أمّا الرّحمة، ففي يده اليمنى. إنّه يُسَرّ بالرحمة. أليس مكتوباً أنّ الله يسرّ بالرّحمة؟ يا للأسف! إنّ الله يُفتَرى عليه من أولئك الذين يتكلّم إليهم بمودّة! "قل لهم. حيّ أنا يقول السيّد الرّب إنّي لا أسر بموت الشّرير بل بأن يرجع الشّرير عن طريقه ويحيا. ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرّديئة. فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل." (حزقيال 11:33) حتّى أنّه يبدو وكأنّه يتوسّل إلى مخلوقاته، ويناشدهم أن يأتوا إليه. هو يتوق إلى أن يخلّصهم صارخاً، "كيف أجعلك يا أفرايم. أصيّرك يا إسرائيل . كيف أجعلك كأدمة. أصنعك كصبوييم. قد انقلب عليّ قلبي. اضطرمت مراحمي جميعاً. لا أجري حموّ غضبي لا أعود أخرب أفرايم لأنّي الله لا إنسان القدّوس في وسطك فلا آتي بسخطٍ". (هوشع 8:11-9). آه لا، أنا أناشدك، لا تكن غير مؤمن فيما بعد، بل آمن بكلمة الله وقسمه، وأقبل الراحة التي تقدّمها لك مجّاناً كلمات الإنجيل!
لقد رفض البعض على أية حال الرّاحة طويلاً، حتّى اعتادوا على العيش باليأس. آه، إنّها عادة خطرة، إذ هم يرتعدون على حافّة الجحيم. في كلّ لحظة ينغمس فيها شخص ما، يتعوّد عليها. فتصبح مثل برودة المناطق الجليديّة، التّي تخدر المسافر بعد فترة، حتّى يفقد إحساسه ويسقط في سبات عميق يقوده إلى الموت. من النّاس من يعتاد على اليأس حتّى لو لم يكن هنالك سبب يدعو إلى اليأس. ويجلبهم اليأس إلى الجحيم. لقد حجّر اليأس قلوب بعض الأشخاص حتّى أصبحوا قادرين على ارتكاب الخطايا دون أمل بأن يرجعوا عنها. احذر من أن تحتضن الكآبة التي يقودك إليها عدم إيمانك. آه، أبعده بعيداً إذا أمكن! اصرخ إلى الرّوح القدس، المعزّي، ليطلقك من فخ الصّياد؛ اعتمد عليه، وثق ، فإنّ الشّك شرك للشّيطان. مبارك من يهرب من شباكه. إنّ الإيمان بالله يقوّي الرّوح ويجلب لنا القداسة والسّعادة، لكنّ القلق، والشكّ، والظّنون والمخاوف جميعها تقسّي القلب وتجعلنا أقلّ اهتماماً بالمجيء إلى الله. احذر من اليأس، وليتك إذا سقطت أسيراً لعادة سيّئة، أن تُنتَزع منها كالجمر من النّار المحرقة، تحرّر فإنّ إلهك يطلق الأسرى.