ألإساءة الأعظم: هل حقاً صُلِب المسيح
من Gospel Translations Arabic
بواسطة John Piper حول إثباتات على الايمان
ترجمة من قبل Desiring God
ألإساءة الأعظم: هل حقاً صُلِب المسيح
كانون الثاني ١، ١٩٩٤
المؤرخ الجديّ لا يشك بوجود يسوع المسيح. إنّ العلماء الملحدون والمسيحيون على السواءً، يُسلّمون بحقيقته وبتأثيره، وتنقسم ثلاث أكبر مذاهب إنبثقت من الشرق الأوسط: اليهوديّة ، الإسلام والمسيحيّة، حول موت يسوع وما يعنيه. اللحظة الأخيرة من حياة المسيح، أي اللحظة التي أسلم فيها الروح – هي اللحظة الأهم الّتي يتطرق هذا الكتاب إليها: ماذا يعلمنا الإنجيل المسيحي حول سبب معاناة المسيح وموته؟
نكران المسلمين ما من موضوع مثير للجدل أكثر من هذا. يؤكد إلإسلام بأن المسيح كان حيّاً، ولكن معظم المسلمين لُقّنوا بأن المسيح لم يصلب. على سبيل المثال، أحد المسلمين السنّة يقول: " يؤمن ألمسلم بأنّ الّله أنقذ المسيح من خذيّ الصلب." [١] ويضيف آخر، " نحن نجلّ ( يسوع) أكثر منكم (المسيحين) ... نحن نرفض أن نؤمن بأن الّله قد سمح بأن يعاني الموت على الصليب." [٢] والمقطع في القرآن الذي يقدم خلفيّة هذا النكران (وبالتالي القيامة) هو عبارة عن جدل قائم حول إفتراضات يهوديّة خاطئة:
وبنتيجة اقوالهم: ذبحنا المسيح، يسوع إبن مريم، رسول الّله— لم يذبحوه( يقتلوه) ولم يصلبوه، ولكن هذا ما ترآى لهم; أنظر، هؤلاء الذين يعارضون هذا هم في حيرة من أمرهم. لذلك، ليس لديهم أدنى معرفة عن ذلك المصدر سوى ملاحقة حدس; وليس من المؤكد أنهم ذبحوه(قتلوه). ولكنّ الّله رفعه الى نفسه. الّله دائم المقدرة والحكمة. وليس هناك أحد من شعب الكتاب المقدس (اليهود) إلا وآمن به قبل مماته، وفي يوم القيامة سيكون شاهداً ضدهم. [٣]
شهادة من تاريخ غير المسيحين ولكن، أفادَ هؤلاء الذين كانوا أقرب الى الحدث التاريخي من محمد (الذي وُلد في ٥۷١ ب. م.) بأن المسيح مات صلباً. من هؤلاء الشهود، مؤريخين غير مسيحيين الذين لم يكن لديهم أي دافع لتلفيق خبر موت المسيح. فعلى سبيل المثال، إنّ المؤرخ الروماني،Tacitus ( الذي وُلد في ٥٥ ب.م.) قد كتب في كتابه الAnnals (١٥: ٤٤) توضيحاً حول نسب الأمبراطور نيرون (الذي مات في ٦٨ ب.م.) الى المسيحيين إضرام النار في روما لكي يُحرّف الإشاعات القائلة بأنه هو من أضرم النار. في هذا المقطع لمّح Tacitus الى الواقع الذي لا جدال فيه ألا وهو أن المسيح قد مات صلباً في عهد بيلاطس البنطي: كل مجهود الإنسان ... وألأمبراطور، و إستعطاف ألآلهة، لم يطرد المعتقد الخاطىء الذي يقول بأن الحريق الهائل كان تنفيذاً لأمر أُعطي. وبالتالي، للتخلّص من التقرير، أثبت نيرون الذنب وأنزل أقسى وأغرب أنواع العذاب على الطبقة المكروهة المدموغة بشيء بغيض، ألا وهي المسيحيّة كما كان عامة الشعب يدعونها. المسيح،الذي إنبثق من إسمه إسمهم،تلقى أقسى العقاب خلال الحكم على يد أحد وكلائنا، بيلاطس البنطي. والمعتقد أكثر أذيّة، الذي كان قد كُبح لمدة، إنطلق ثانيةً وليس فقط في اليهوذيّة، مصدر كل شر، بل في روما حيث كل شيىء شائن ومُخزي من كل أنحاء العالم يجد له مركزاً ، ويصبح شائعاً. [٤] كان من الشائع والمعروف بدون أدنى شك، في القسم الثاني من القرن الأول، أن يسوع المسيح قد مات صلباً. في حال وجود أي تساؤل حول حقيقة موته هذه، كان وبكل حماس وتفاني، يُدحض حيثما بشّر المسيحييون. لكن هذا الجدل لم يُثر إذ أنه لم يكن هناك من تساؤل أو شك حول موته على الصليب.
غزارة شهود العيان وغياب النكران إذا كان موت المسيح أسطورة أو خرافة، فإنها من المؤكد قد خُلقت بين ليلة وضحاها إذ أنه، وخلال بضعة أسابيع، كان المسيحيون يبشرون قوة الخلاص بعذاب وموت المسيح. والأهم في هذا الموضوع هو أن التلاميذ كانوا يبشّرون في أورشليم— المدينة نفسها التي كان لها المصلحة الأكبر لِوضع حد لهذا الخطأ. أما بالنسبة الى القادة اليهود، هذه الديانة الجديدة الّتي أدّعت بأن المسيح هو إبن الّله، ليست إلاّ تحريفاً للإيمان اليهودي الّذي يعدّ هذا تجديفاً. (مرقس ١٤:٦١- ٦٤ ). " لنا شريعة،" قال القادة اليهود لبيلاطس، "وبحسب هذه الشّريعة يجب عليه أن يموت لأنّه جعل نفسه ابن الّله." (يوحنا١٩:۷ ) في الواقع ان المسيحيين إرتكزوا علناً بإمانهم على الحقيقة التي تقول بأن محاكمة المسيح كانت علانيّة، وقد حُكم عليه وصُلب وقام من بين الأموات. تحدث التلاميذ بهذه الأشياء بعد بضعة أسابيع من حُدوثها، في وقت كان بإستطاعة ألآف الناس أن يعارضوا هذا ألإيمان ويثبتوا أن مايقوله هؤلاء النلاميذ هو خطأً. كان بإستطاعة هؤلاء الناس الذهاب الى الحاكم بيلاطس أو الملك هيرودس أو الى مجلس الأعلى لليهود أو الى العسكر أوأشخاص آخرين شهدوا على الصلب، والحصول على إثبات بأن المسيح لم يُحكم عليه ولم يُصلب كما كان يبشّر التلاميذ.ً ولكن، في الحقيقة، لم يقُم أحد بذلك. الكل في أورشليم كان يعرف بأن المسيح قد صُلب، والعديد منهم كان حاضراً على مماته. ألجدل القائم كان حول القيامة وليس حول حقيقة صلبه. كان المسيحييون يدركون تماماً بأن الشهود العيان هم ألأساس لإثبات إدعاءاتهم حول موت وقيامة المسيح. من أول كُتّابهم، الرسول بولس الّذي كان مُعاصِراً للمسيح قال: " ألمسيح مات من أجل خطايانا كما ورد في الكتب ... وإنه قُبر .. وقام في اليوم الثالث ... ومن ثمّ تراءى لأكثر من خمسمائة أخ معاً لا يزال معظمهم حيّاً." ( الرسلة ألأولى الى أهل كورونثيس ١٥: ٣-٦) لماذا قال بولس " معظمهم ما زال حيّاً؟" لأنه لم يكن يخاف أن تُمتحن أقواله، كان يعلم بأنه كان بالإمكان إثبات هذه الأقاويل بواسطة شهود عيان. أي بمعنى آخر، : إنتشرت المسيحيّة بوقت كان من السهل إثبات بأن أقوالهم عارية عن الصحة. لكن أسس إدعاءاتهم تخطت الإمتحان; فهذه الأحداث قد حصلت فعلاً.
خُرافة غير مرجح حُصولِها فضلاً عن ذلك، لماذا أراد جماعة من اليهود (إذ أن كل المسحيين ألأوائل كانوا يهود بالولادة) إختلاق موت المسيح؟ لم يكن لدى المسيحيين ما يربحوه من إختلاق قصة صلب المسيح، فإنها، من وجهة نظرحسيّة، جعلت إنتشار المسيحيّة شبه مستحيل. فالصلب كان من أنواع العذاب القذرة، والإعدام كان مخصصاً للمجرمين المكروهين. معظم الناس عند سماعهم رسالة المسيحيين القائلة بأن يسوع المسيح هو ابن الّله السماوي وبأنه مات على الصليب، استخفّوا بها. أحد أوائل المبشرين المسيحيين في القرن ألأول قال: "فإننا ُنبشّر بمسيح مصلوب، عِثارٍ لليهود وحماقة للوثنيين." (أي غير اليهود) (( الرسالة ألأولى الى أهل كورونثيس ١:٢٣). لم تكن من مصلحة المسيحيين بأن يلفقوا أو يخترعوا مسيحاً مصلوباً، بل هذا جعل حياتهم ومهمتهم أصعب بكثير.
المسألة الخطيرة في القرن الواحد والعشرون إدعاء الكثير من المسلمين بأن المسيح لم يُصلب أبداً، وإنّ المسيحيين الأوائل كانوا على خطأ أو أنهم كانوا من صانعي ا الخرافات، هو عكس كل البراهين التاريخيّة والحسيّة. المسألة ألأساسيّة بين المسلمين والمسيحيين لم تكن اولاً وأساساً هويّة أللّه، بل حقيقة ومعنى موت يسوع المسيح. هذا أيضاً الحال بين اليهوديّة والمسيحيّة. من كان يسوع هذا ولماذا كان عليه أن يموت؟ اليهوديّة والإسلام ينكران جوهر المسيحيّة القائل بأن يسوع هو المسيح المنتظر، وأبن الّله المقدس، الّذي صُلب وقام من بين ألأموات لمغفرة الخطايا ومنح الحياة ألأبديّة لكل من آمن به. هذا ألأمر يجعل من يسوع موضوع وثيق الصلة ومُثير للجدل في القرن الواحد والعشرون. الحركة ألإسلاميّة الضّخمة ( أكثر من ١.٣ مليار)، والعدد الضئيل نسبياً لسكان إسرائيل، لهما تأثيراً وأهميّة بالغة (إنفجاريّة) على الشوؤن العالميّة. والمسألة الأخطر والأهم بين ألأسلام واليهوديّة من جهة وبين المسيحيّة من جهة أُخرى إنما تتخطى ذلك لتؤدي الى التساؤل حول إذا ما كان الأسلام واليهوديّة ديانة توحيديّة، وليس حول محاولة الإسلام واليهوديّة تكريم المسيح. فالمسألة هي: هل الإسلام واليهوديّة—أو أي إيمان الى جانب المسيحيّة—يعزز مصداقيّة وصلاحيّة عذاب وموت ألإنسان ألإلاه، يسوع المسيح، كأساس وحيد لقبولنا لدى الّله؟ الجواب هو كلاّ. فقط المسيحيين يركّزون قبولهم لدى الّله على الشخص المصلوب الذي قام من بين الأموات وهو ألآن يحكم. كل الديانات الأُخرى ترفض أهميّة قوة الخلاص الوحيد في يسوع المسيح. هذه هي المسألة الأكثر أهميّة وخطورة في القرن الواحد والعشرون. ماذا حصل بين الإنسان والّله لمّا مات يسوع المسيح؟
ألإساءة الى آلام المسيح – آنذاك و الآن
كان المسيحيّون في عهد الرومان مستعدين ، بشكل مذهل وقاطع، لتحمل العذاب لإيمانهم بالمجرم المُدان والمصلُوب. إذا كانت هذه خُرافة من إبداعهم، فهي حتماً عمل إنتحاري. في كتابه " تاريخ إرساليات المسيحيين" ((History of Christian Missions كتب Stephen Neil " لم يكن لدى المسيحيّين،تحت حكم الإمبراطوريّة الرومانيّة، أي حق قانوني لوجودهم، وكانوا عرضة لأسوأ وأصرم القوانين ... كل مسيحي كان يدرك بأنه من الممكن ،عاجلاً أم آجلاً، أن يُلزم بأن يشاهربإمانه حتى ولو على حساب حياته." [٥] كل هذا لأنهم آمنوا بأن صلب وقيامة يسوع المسيح هو أعظم حدث في تاريخ البشريّة. ولا يعلى على سخافة ألإدعاء، فالمسيحيين لم يحاولوا التقليل من شأنه. التدمير الحديث للمسيحيّة الّذي يبشر بالصحة والغنى والنجاح ليس سوى زهرة مقطوعة، ستزُبل أخيراً تحت وطأة رياح القرن الحادي العشرون الجافة المحمّلة بالصعاب. إذا كنت لا تعرف عن المسيحيّة إلا ما شاهدته على التلفاز فأنت بالتالي لم ترَ الحقيقة. إذا كُنت تريد معرفة المسيح الحقيقي، إقرأ العهد الجديد. هؤلاء الّذين يسوّقون له اليوم ويغرّون بالمال والنجاح قد بتروا جذورهم من المسيح المصلوب. طريقته مختلفة " من أراد أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني." ( لوقا ٩: ٢٣) ألكنيسة الأولى أدركت بأن الصلب لم يكن فقط تجربة لسيدها، بل كانت أيضاً إستدعاء شخصي أمام محبة وتضحيّة الذبيحة ألإلاهيّة. تضاءل المسيحيّة من الإتجاه الثقافي السائد لحضارة الغرب خلال السنوات الخمسين الأخيرة، ما هو إلا جرعة من الحالة السويّة للكنيسة الأولى. فالكنيسة الثقافيّة أصبحت لعنة. وقد حان الوقت لتدور عجلة التاريخ لكي تكتشف الكنيسة المسيحيّة المغزى االعميق لأهم وأنقى وأصفى ساعة لمؤسّسها.
[1] Badru D. Kateregga and David W. Shenk, Islam and Christianity: A Muslim and a Christian in Dialogue (Nairobi: Usima Press. 1980), 141. [2] Quoted from The Muslim World, in Muslim and Christians on the Emmaus Road, ed. J. Dudley Woodberry (Monrovia, Ca: MARC, 1989), 164. [3] Sara 4, 157-159, quoted from The Meanings of the Glorious Qur’an, trans. Muhammad Maraduke (New Delhi: Kitab Bhavan, n.d.), 91. [4] Tacitus, Annals, translated by Alfred John Church and William Jackson Brodribb, accessed 11- 26- 03, http// classics. mit.edu/ Tacitus/ annals. 11.xx.html. [5] Stephen Neill, History of Christian Missions ( New York: Penguin, 1964), 43.